
أسعد الله أوقاتكم بكل خير إخوتي الكرام من مختلف أنحاء العالم.
إن إقامة حدود صحية هي أساس لبناء علاقات محترمة مع العائلة والأصدقاء والجيران والزملاء. من دون تحديد و توضيح هذه الحدود، قد تؤدي العلاقات إلى الشعور بعدم الراحة وحتى الانتهاك، مما قد يؤدي إلى دورة من عدم الثقة والعزلة في المستقبل.
نظراً لأننا لا نرى الحدود فعلياً، لأنها غير مرئية، فإن الكثير منا يشعر بالحيرة حيال هذه الحدود وكيفية تحديدها. قد تشعر بالذنب أو الأنانية عندما تحدد حدودك الخاصة مع الأصدقاء أو الأحباء، لكن تذكر أن هذه جزء مهم من العناية الذاتية وتؤدي إلى علاقات أقوى وأكثر صحة.
ما هي الحدود؟
الحدود هي المسافة بينك وبين شخص آخر، التي تُحدد من أجل خلق علاقة آمنة وصحية. يمكن أن تكون هذه الحدود مادية أو معنوية، لضمان الاحترام و الحفاظ على الصحة العقلية والنفسية للشخص.
تختلف الحدود من شخص لآخر، تبعاً لاختلاف الشخصية و الثقافة و البيئة الاجتماعية. فالحدود التي تناسب بيئة العمل، تختلف عن الحدود بين الأصدقاء و الحدود بين أفراد العائلة.
بعض الناس لديهم حدود صارمة، والبعض الآخر لديهم حدود مرنة. كلا النوعين قد يكونا مشكلة إذا كانا يؤثران على قدرتك في الحفاظ على علاقات قوية ومترابطة.
هل تجد صعوبة في الحفاظ على الأصدقاء أو تتجنب بناء روابط قوية مع الآخرين؟ قد يكون ذلك نتيجة لوجود حدود صارمة جداً.
من ناحية أخرى، إذا كنت تجد صعوبة في قول “لا”، وتضع دائماً رفاهية الآخرين قبل رفاهيتك، وتدخل في حياة الناس الشخصية بشكل مفرط، فقد تكون حدودك شديدة الضعف.
تتطلب الحدود الصحية الوعي الذاتي و التواصل الواضح و الاحترام.
أنواع الحدود:
الحدود الشخصية:
من المحتمل أنك مررت بتجربة شخص يقتحم حدودك في المساحة الشخصية. تتضمن الحدود الشخصية مثلاً مساحتك الشخصية بما في ذلك منزلك أو مكتبك. قد يكون اجتياز هذه الحدود بالنسبة لك هو دخول شخص إلى مكان عملك دون دعوة أو دون إشعار، بينما قد يكون لدى آخرين سياسة الباب المفتوح.
تختلف الحدود الشخصية من فرد لآخر. لهذا السبب من المهم أن تتواصل مع الآخرين حول احتياجاتك الفردية للحفاظ على علاقة صحية وفهم احتياجاتهم أيضاً. فالاحترام يجب أن يكون متبادل.
قد يكون اجتياز الحدود الجسدية انتهاكاً لحدك فيما يتعلق باللمس، مثل محاولة عناقك بينما تفضل مصافحة أو عدم اللمس على الإطلاق.
من الحدود الشخصية أيضاً الحدود التي تتعلق بالنشاط الجسدي مثلاً. هذا النوع من الحدود، يمكن أن تضعها أنت لنفسك، مثل الراحة عندما تكون مريضاً، والأكل عندما تكون جائعاً، والنوم عندما تكون متعباً.
الحدود العاطفية:
كل علاقة تتطلب مقداراً معيناً من الطاقة العاطفية، وهذه هي الحدود التي يجب أن تحددها لنفسك. فاجتياز الحدود العاطفية قد يكون مثل مشاركة الكثير من المعلومات (المعروفة أحياناً بـ “التفريغ العاطفي”) وتوقع استجابة عاطفية معينة من الطرف الآخر.
من الأمثلة عن اجتياز الحدود العاطفية في العلاقة، طرح أسئلة غير لائقة أو غير مرغوب فيها، أو انتقاد الأشخاص بسبب مشاعرهم أو تجاهل ردود أفعالهم، أو إخبار الأشخاص بكيفية (أو عدم) الشعور حيال موقف ما.
الحدود الفكرية:
في تاريخنا الحديث، أصبحت المناقشات حول المسائل العالمية والسياسية أكثر انتشاراً، ولهذا فإن وضع حدود فكرية أمر مهم. قد تكون سمعت عن عبارة “اتفقنا على ألا نتفق”، وهي نسخة بسيطة من الحدود الفكرية التي تساعد في الحفاظ على علاقات محترمة.
إن احترام الآراء الفردية ووقف المناقشات التي تتجه في الاتجاه الخطأ هي طرق لوضع حدود فكرية صحية. فمن حقك أن تختار ما إذا كنت ترغب في المشاركة في المناقشات الفكرية التي قد تخالف معتقداتك.
إذا كنت على استعداد لخوض هذا النوع من المناقشات، قد تكون أحياناً غير مريحة، أو تصل إلى نقطة قد تصبح التصريحات جارحة أو مسيئة.
الحدود الزمنية:
هل شعرت يوماً أن بعض الناس قد يستغلون وقتك؟ أو لا يحترمون أهمية الوقت لديك؟
إن تحديد حدودك الزمنية يضمن لك الحصول على وقت شخصي لتجديد نشاطك وتعزيز صحتك. ويساعدك على تجنب الإرهاق، الذي أصبح أكثر شيوعاً في حياتنا المعاصرة.
إذا كنت تفرط دائماً في الالتزام وتلبية الطلبات، فقد تضطر إلى إبعاد احتياجاتك وأهدافك الشخصية. مما يؤدي إلى مشاعر الاستياء وخيبة الأمل.
ينطبق الأمر ذاته على الآخرين. لذا من الضروري أن تكون متفهماً عندما تطلب من شخص آخر أن يعطيك من وقته. طبعاً تختلف نوعية و مرونة هذه الحدود حسب الأشخاص الذين نتعامل معهم و أهميتهم في حياتنا.
الحدود المادية:
هل تقترض شيئاً ما من صديقك بشكل دائم، أم أن شخصاً ما يطلب منك استخدام شيء مادي بشكل متكرر؟ مثل استعارة سيارة، سترة، حاسوب، أو بعض المال. عندما يتكرر الأمر بشكل مفرط، قد تبدأ في الشعور وكأنك تُستغل، وقد يؤدي ذلك إلى مشاعر مثل الاستياء والغضب.
كيفية تحديد الحدود الصحية:
بعض أنواع الحدود ملموسة يمكن معرفتها بسهولة، في حين قد تتطلب الحدود المعنوية الاعتماد على نظامك الفطري. ففي بعض الأحيان قد لا تبدأ الإشارات الحمراء في الظهور في ذهنك إلا بعد أن تشعر بعدم الاحترام، أو ربما قد تم استغلالك. ولهذا من المهم جداً تحديد حدود صحية منذ البداية.
لتحديد حدودك الصحية ينصح باتباع هذه الخطوات:
تدوين هذه الحدود لتعزيز الوعي الذاتي:
عند تحديد الحدود الشخصية، ابدأ بكتابة ما يجعلك تشعر بالراحة والاحترام في العلاقة (حسب نوع كل علاقة)، وما يجعلك تشعر بعدم الراحة أوعدم الاحترام. إن اتباع هذه الطريقة تعزز الوعي الذاتي.
التواصل مع الآخرين والتعبير عن الرأي:
قد يكون هذا صعباً وقد تشعر بالحرج في البداية، لكن من الأفضل أن تكون منفتحاً وشفافاً بشأن حدودك. ليس عليك القيام بذلك من خلال إصدار أوامر، بل يمكنك تقديم معلومات عن نفسك تُحدِّد حدودك الشخصية.
عند الحديث عن الحدود المهنية أو الزمنية، اجعل نواياك واضحة من دون اعتذار. أرسل إشعارات عن وقت عطلتك، فعّل خاصية “عدم الإزعاج” بعد ساعات العمل، وحدد وقتاً معيناً للرد على الرسائل أو البريد الإلكتروني.
الوضوح و عدم الخلط في مواقفك:
هل سمعت عن إرسال إشارات مختلطة؟ يحدث هذا عندما تُظهر حداً ما في بعض الأحيان، ولكن ليس في أحيان أخرى.
إن الالتزام بمعاييرك هو أمر أساسي، عندما تريد أن يتم احترام حدودك. بما في ذلك عند التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. قد يشعر الناس غالباً بالجرأة خلف الشاشة وقد يتجاوزون الحدود. لذا تأكد من وضع نفس المعايير على وسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدمها في محادثة وجهاً لوجه.
التأمل و مراجعة النفس:
من الممكن أن يكون لديك الكثير من الحدود لدرجة أن ذلك يؤثر على قدرتك في تكوين علاقات وثيقة. إذا جعلت التأمل جزءاً من روتينك الصحي، سيكون لديك فرصة للنظر في الحدود التي وضعتها وإذا ما كانت تفيد علاقاتك. بمعنى آخر، اتبع حدسك.
هل تدعم حدودك العلاقات الصحية، وتعزز الثقة بالنفس، وتتيح لك أن تكون منفتحاً مع الآخرين؟ إذا كانت الإجابة “لا”، فكّر في كيفية تعديل الحدود التي وضعتها، لتقترب من تحقيق هذه الأهداف.
التعرف على حدود الآخرين:
الآن بعد أن أصبحت أكثر انفتاحاً ووعياً بحدودك الصحية، سيكون من الأسهل لك التعرف على الحدود التي يضعها الآخرون واحترامها. حاول قراءة إشاراتهم، وإذا كنت غير متأكد من حدودهم، فقط اسأل.
الفوائد و المخاطر:
قد يبدو من الصعب أو المحرج تحديد حدود واضحة مع الآخرين. لكنها جزء حاسم للحفاظ على علاقات صحية لجميع الأطراف.
إن أخذ الوقت لتحديد حدودك أو إعادة صياغتها، يساعدك على فهم نفسك بشكل أفضل. كما يسمح للناس بالتعرف عليك بشكل أعمق في مساحة آمنة، و تقوية علاقاتك معهم ضمن نفس السياق.
الفوائد الصحية:
- الحفاظ على صحة عقلية و نفسية جيدة
- تجنب المنزاعات و سوء الفهم الناتج عن الخلط في الحدود الاجتماعية
- تحفيز الآخرين و إلهامهم لأهمية هذه الحدود وأهمية احترام جميع الأفراد
المراجع:
https://positivepsychology.com/great-self-care-setting-healthy-boundaries
https://www.verywellhealth.com/setting-boundaries-5208802
https://draxe.com/health/how-to-set-healthy-boundaries
https://health.clevelandclinic.org/how-to-set-boundaries