أسباب و أعراض و علاج مرض التوحد

7571 2
7571 2

في كل يوم يقوم الدماغ بتفسير و فهم الأشياء التي نراها و نسمعها و نلمسها و نتذوقها. لكن عندما يعاني شخص من وجود مشاكل في الدماغ، و بالتالي مشاكل في فهم و تفسير هذه الأمور. لذا يصبح من الصعب عليه التحدث و الاستماع و الفهم و اللعب و التعلم.

يحتوي الدماغ على أكثر من بليون خلية عصبية، و كل خلية عصبية تحمل مئات لا بل آلاف الرسائل للتواصل مع سائر الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ و مختلف أنحاء الجسم. تدعى هذه الاتصالات و الرسائل الكيميائية بالنواقل العصبية. فعندما تعمل الخلايا الدماغية على إرسال النواقل العصبية بشكل دائم، نستطيع أن نرى و نشعر و نتحرك و نتواصل، و نقوم بالعديد من المهارات بشكل كامل.

في دماغ الطفل المصاب بمرض التوحد، بعض هذه الخلايا العصبية لا تعمل بشكل طبيعي مما يؤدي لاضطراب في النمو العصبي للدماغ. حيث تضعف قدرة الطفل على التواصل و التفاعل مع الآخرين، فتكون سلوكياته متكررة و اهتماماته و أنشطته مقيدة، مما يؤدي لضعف كبير في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية و المهنية و غيرها.

للأسف ليس هنالك علاج للقضاء على مرض التوحد بشكل كامل، إنما التشخيص و العلاج المبكر يحسّن كثيراً من حالة و سلوكيات المريض.

أعراض مرض التوحد:

بالنسبة لبعض الأطفال، تظهر أعراض التوحد أحياناً في مراحل مبكرة من الطفولة أي خلال الأشهر الأولى. بينما بالنسبة للبعض الآخر قد يبدأ الطفل بالتطور بشكل طبيعي كسائر الأطفال في مثل عمره، ثم بعد مرور سنواته الأولى يصبح عدوانياً أو يفقد مهاراته اللغوية التي اكتسبها سابقاً، و يبدو ذلك واضحاً في عمر الثلاث سنوات عادةً.

كل طفل مصاب بالتوحد له نمط خاص من السلوك و تتفاوت شدة المرض و مستوى أدائه و نشاطاته. حيث تعتمد شدة المرض على مستوى ضعف التواصل الاجتماعي لديه و مدى تكراره للسلوكيات.

الأعراض التي سوف آتي على ذكرها ليس بالضرورة أن تتواجد جميعها معاً، و لا أن تكون في نفس الشدة. لكني رغبت أن أقدم لكم أكبر مظاهر شائعة من مظاهر و سلوكيات مرضى التوحد.

أعراض مرض التوحد في التواصل و التفاعل الاجتماعي:

  1. مريض التوحد عادةً لا يستجيب عندما تناديه باسمه و كأنه لم يسمع شيئاً.
  2. لا يحب أن تحمله أو تحتضنه، و يفضّل أن يجلس و يلعب بمفرده و كأنه ضمن عالم خاص به فقط.
  3. يكون التواصل البصري لديه ضعيفاً و تعابير الوجه كذلك، أي لا ينظر إليك عندما تتكلم معه.
  4. لا يتكلم أبداً أو يتأخر في التكلم، ومن الممكن أن يفقد قدرته السابقة في التواصل اللغوي.
  5. لا يستطيع الاستمرار في المحادثة معك، و من الممكن أن يتكلم فقط لأجل طلب معين.
  6. يتكلم ضمن نبرة صوت و إيقاع غير طبيعي، بهدوء و برود شديد أو كالرجل الآلي مثلاً.
  7. من الممكن أن يكرر كلمات أو عبارات بشكل حرفي لكن دون أن يفهم معناها و متى يمكن استخدامها.
  8. لا يستطيع أن يفهم التوجيهات أو الأسئلة البسيطة الموجهة له.
  9. لا يعبر عن مشاعره و لا يهتم بمشاعر الآخرين.
  10. لا يملك أي نوع من أنواع التفاعل الاجتماعي، بل يكون سلبي و عدواني و مُخرّب بشكل دائم.

أعراض مرض التوحد في الأنماط السلوكية:

  1. القيام بحركات متكررة كاهتزاز القدم أو اليد أو في بعض الأحيان ضرب الرأس.
  2. وضع روتين معين و الشعور بالاستياء و الانزعاج تجاه أدنى تغيير في هذا النظام.
  3. التحرك بشكل مستمر.
  4. لديه مشاكل في تناسق الحركات، حيث تكون أنماط حركاته غريبة كالمشي على رؤوس الأصابع، و لغة الجسد لديه قاسية و مبالغ فيها.
  5. من الممكن أن يركز على تفاصيل معينة للعبة أو أي شيء كان، كعجلات السيارة مثلاً. إنما لا يفهم الصورة الكاملة لهذه اللعبة، و يلعب بطريقة متكررة و يفتقر للخيال. كأن يستخدم المكعبات و يفصلهم عن بعض بناءً على اللون و الحجم مثلاً و ليس لاستخدامهم في بناء شيء ما.
  6. من الممكن أن يصبح حساس بشكل غير معتاد تجاه الضوء أو الصوت أو اللمس.
  7. من الممكن أن يختار نوعية غريبة و محددة من الأطعمة التي يرغب بتناولها، كأن تحتوي على مادة معينة فقط و يرفض غير ذلك.

معظم الأطفال المصابون بالتوحد يكون لديهم بطء في اكتساب المعلومة أو المهارة، و بعضهم يكون مستوى الذكاء دون الطبيعي أي بشكل منخفض جداً. بينما يمتلك البعض الآخر مستوى طبيعي و مرتفع من الذكاء فيتعلَّمون سريعاً، ثم بعد ذلك يواجهون صعوبة في تطبيق ما تعلّموه في الحياة اليومية و التكيف مع الأوضاع الاجتماعية.

نسبة صغيرة من الأطفال المصابين بالتوحد لديهم مهارات استثنائية في موضوع محدد كالفن أو الرياضيات أو الموسيقى. مع مرور الزمن و نضج الأطفال المصابين بالتوحد، يصبح بعضهم أكثر قدرة على التفاعل مع الآخرين و تقل لديهم الاضطرابات في السلوك. و البعض منهم الذين لديهم أقل درجة من المرض، من الممكن أن يصلوا لمستوى قريب جداً من الطفل الطبيعي. لكن بالنسبة للبعض الآخر، من الممكن أن يزداد الوضع سوءً مع مرور الزمن خاصةً عند الوصول لسن البلوغ.

متى يجب عليك زيارة الطبيب:

  • يختلف نمو طفل عن الآخر و لا يتطور الأطفال كلهم ضمن وتيرة واحدة. لكن هنالك جدول زمني تقريبي لمرحلة نمو و تعلم أي مهارة جديدة يكتسبها الطفل.
  • يبدو مرض التوحد عادةً خلال السنة الأولى من عمر الطفل، لكن في معظم الأحيان لا يكتشف الوالدان ذلك إلا لبعد مرور الثلاث سنوات. لذلك و عند الشعور بتأخر نمو الطفل عن أقرانه بشكل ملحوظ في ناحية معينة يجب استشارة الطبيب، لأنه كلما تم تشخيص المرض بشكل مبكّر كلما كان التجاوب للعلاج و التحسن أسرع.
  • فمن الممكن أن يقوم الطبيب ببعض الاختبارات التنموية للطفل لتشخيص الحالة تماماً و معرفة إن كان هنالك تأخر في التعلم أو مهارات التواصل أو اللغة، أم لا. على سبيل المثال بالنسبة لطفل مصاب بالتوحد:
  • لا يستجيب الطفل بابتسامة أو التعابير المفرحة قبل عمر الستة أشهر.
  • لا يقلد الأصوات أو تعابير الوجه قبل عمر التسعة أشهر.
  • لا يلتفت أو يلوح بيده قبل عمر 14شهراً.
  • لا يقول كلمة واحدة قبل عمر 16 شهراً.
  • لا يقول عبارات مؤلفة من كلمتين قبل عمر 24 شهراً.
  • و في أي عمر كان، يفقد مهاراته اللغوية و الاجتماعية التي اكتسبها سابقاً.

أنواع التوحد:

ينتمي مرض التوحد لفئة اضطرابات النمو المتفشي (Pervasive developmental disorders PPD) التي تصيب مرحلة الطفولة، و تتميز بمجموعة من المشاكل العصبية التي تؤثر على المهارات اللغوية و الاجتماعية و السلوكية و تتضمن:

  1. مرض التوحد Autism
  2. متلازمة آسبرجر Asperger’s syndrome
  3. متلازمة ريت Rett’s syndrome
  4. اضطراب الطفولة التفككي childhood disintegrative disorder
  5. اضطرابات النمو المتفشي غير المحدد prevasive devlopmental disorder-not otherwise specifed (PDD-NOS(.

أسباب مرض التوحد:

ليس هنالك سبب واضح معروف للتوحد، و تتفاوت حدة الأعراض و درجة المرض. و يعود ذلك لأسباب وراثية و العوامل البيئية تلعب دور أيضاً.

العوامل الوراثية:

تظهر العديد من الجينات الوراثية المختلفة ارتباطاً بحدوث مرض التوحد. فبالنسبة لبعض الأطفال من الممكن أن يرتبط مرض التوحد لديهم مع وجود اضطرابات أخرى مثل متلازمة ريت أو متلازمة الكروموزوم x الهش (متلازمة x الهشة).

متلازمة ريت: و هو اضطراب في الجهاز العصبي يسبب إعاقات حركيّة و تخلف عقلي و نوبات صرع و يصيب الإناث فقط.

متلازمة x الهشة: و هو اضطراب جيني في الكروموزوم x يسبب إعاقة فكرية و تخلف عقلي و يصيب الذكور بنسبة أكبر من الإناث. فبعض المشاكل الجينية تظهر ارتباطاً بالعوامل الوراثية بينما بعضها الآخر يحدث بشكل عشوائي دون وجود حالات وراثية مسبقة.

العوامل البيئية:

يقوم الباحثون حالياً بدراسات حول إمكانية حدوث مرض التوحد نتيجة بعض العوامل البيئية كالالتهابات الفيروسية و وجود مضاعفات خلال الحمل أو الولادة و التلوث البيئي. و هنالك احتمال كبير لذلك، لكن ما زالت قيد الدراسة و الأبحاث.

من المواضيع التي تم الجدل حولها كثيراً هو وجود ارتباط بين مرض التوحد و اللقاحات. لكن ثبت أن ذلك غير صحيح و ليس هنالك أي ارتباط لحدوث التوحد إذا لم يخضع الطفل لكافة لقاحاته. حتماً يجب الالتزام بكامل اللقاحات و عدم الاهتمام بهذا الموضوع يلحق ضرراً كبيراً على صحة الطفل، لكن ليس مرض التوحد من ضمنها.

العوامل الخطيرة المؤدية لمرض التوحد:

قد يصيب هذا المرض أي طفل كان، لكن من العوامل المحددة التي تزيد خطورة هذا المرض، ما يلي:

  • جنس المولود: فالأطفال الذكور معرضون للإصابة بالتوحد بنسبة أربع مرات أكثر من الإناث.
  • تاريخ العائلة: فالعائلات التي فيها حالة توحد هي معرضة بنسبة أكبر لحدوث حالة جديدة من مرض التوحد في العائلة ذاتها.
  • الأطفال الذين يعانون من مشاكل صحية أخرى كمتلازمة x الهشة و متلازمة ريت.
  • الأطفال الخدج الذين يولدون قبل 26 أسبوع من تمام الحمل.
  • عمر الوالدان: فعندما يكون عمر الوالدين كبيراً على الإنجاب، فمن الممكن أن يؤدي ذلك لزيادة خطورة إصابة الطفل بمرض التوحد. لكن ما زالت الدراسات قائمة أيضاً في هذا الخصوص.

من المشاكل الصحية الأخرى المرتبطة بوجود مرض التوحد:

ضمور في العضلات و متلازمة داون و الشلل الدماغي و الورم العصبي الليفي و الصرع و متلازمة x الهشة و متلازمة ريت و التصلب الدرني.

كما يعاني الأطفال المصابون بالتوحد عادةً من وجود مشاكل صحية أخرى كنوبات الصرع و اضطرابات النوم و مشاكل في المعدة. لذلك و بناءً على حالة كل مريض، يقوم الطبيب بوصف العلاجات اللازمة لحالته.

علاج مرض التوحد:

لا يوجد علاج للقضاء على مرض التوحد تماماً، لكن يهدف العلاج لتحسين قدرة الطفل على التواصل و التعلم و أداء أفضل إمكانياته، و تخفيف حدة الأعراض قدر الإمكان. و يختلف العلاج بناءً على نوع كل حالة و شدتها. و تتضمن الخيارات العلاجية ما يلي:

العقاقير الطبية:

تساعد هذه الأدوية على التحكم بالأعراض و ليس علاج المرض. على سبيل المثال قد يصف الطبيب مضاد للاكتئاب لتخفيف حالات القلق و الأدوية المضادة للذهان لعلاج المشاكل السلوكية الحادة.

العلاجات التربوية و التعليمية:

يستجيب الأطفال المصابون بالتوحد عادةً بشكل جيد إلى البرامج التعليمية. و تتضمن هذه البرامج فريق من الأخصائيين يقومون بالعديد من النشاطات المتنوعة لتحسين المهارات الاجتماعية و السلوكية و مهارات التواصل. و الأطفال في عمر ما قبل المدرسة الذين يخضعون لهذه البرامج الفردية المركزة عادةً ما يُظهرون تقدماً جيداً. بعض هذه البرامج تركز على تقليل المشاكل السلوكية و تعليم مهارات جديدة. بينما يركز بعضها الآخر على تعليم الأطفال كيفية تفاعلهم مع الحالات الاجتماعية و كيفية التواصل بشكل أفضل مع الغير.

العلاجات العائلية:

يستطيع الوالدان و غيرهم من أفراد الأسرة تعليم الطفل المصاب بالتوحد كيفية اللعب و التفاعل مع الآخرين في أساليب تعزز مهارات التفاعل الاجتماعي و تنظم المشاكل السلوكية و تعلم مهارات الحياة اليومية.

المراجع:

http://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/autism-spectrum-disorder/basics/definition/con-20021148

http://www.nhs.uk/conditions/Autistic-spectrum-disorder/Pages/Introduction.aspx

http://www.helpguide.org/articles/autism/autism-spectrum-disorders.htm

http://www.webmd.com/brain/autism/autism-topic-overview

http://kidshealth.org/kid/health_problems/brain/autism.html

الصورة المرفقة:

https://www.flickr.com/photos/campascca/

 

 

تصنيفات المقال

انضم الى المحادثة

2 تعليقات s

  1. سامر جبل رد

    لم أتصوَّر في حياتي وجود موقع عربي طبِّي بهذه الجودة.. شكرًا جزيلًا لكم.

    1. بدور الآغا رد

      شكراً لك، سررتُ بتعليقك.

اذا أعجبك هذا المقال شاركه مع أصدقائك، شكراً لك