في المقال السابق تحدثتُ عن أسباب و أعراض و أنواع سرطان الدم (لوكيميا) و العوامل المؤدية لزيادة خطورة الإصابة بالمرض. أما اليوم و بإذن الله تعالى سوف أُكمل الموضوع عن الخيارات العلاجية المتوفرة لسرطان الدم. أتمنى أن تجد الفائدة المطلوبة و شكراً للمتابعة.
الاختبارات و التشخيص:
عادةً يستطيع الطبيب اكتشاف سرطان الدم المزمن من خلال تحاليل الدم الدورية، قبل ظهور الأعراض. و في حال حدوث ذلك، أو في حال ظهور الأعراض التي تشير لوجود سرطان الدم. يقوم الطبيب بطلب التخاليل و الفحوصات التالية لتأكيد التشخيص:
الفحوصات البدنية:
و يتم تحديد ذلك من خلال مراقبة شحوب البشرة و انتفاخ العقد الليمفاوية و تضخم الكبد و الطحال.
تحليل الدم:
من خلال فحص عينة الدم يستطيع الطبيب الكشف عن أي خلل في نسبة خلايا كريات الدم الحمراء و البيضاء و الصفيحات الدموية.
خزعة من نقي العظام:
يقوم الطبيب بأخذ عينة من نخاع العظام من العظم الحرقفي. حيث يتم أخذ نقي العظام بواسطة إبرة طويلة دقيقة. و من ثم إرسال العينة إلى المخبر للكشف عن الخلايا السرطانية. فحوصات دقيقة يتم استخدامها للكشف عن خصائص الخلايا السرطانية و اختيار العلاج المناسب.
و من الفحوصات الإضافية المطلوبة تتضمن:
- إجراء صورة الأشعة السينية للصدر للكشف عن تضخم العقد الليمفاوية أو أعراض مرضية أخرى.
- البزل القطني و يتضمن أخذ عينة من السائل النخاعي الشوكي لمعرفة ما إذا كانت خلايا الدم السرطانية قد اجتازت الأغشية و الفراغ المحيط بالدماغ و الحبل الشوكي أم لا.
- كما يمكن استخدام الرنين المغناطيسي و التصوير المقطعي المحوسب لتحديد مدى انتشار المرض.
علاج سرطان الدم:
يعتمد العلاج على نوع سرطان الدم و نوع الخلايا السرطانية، بالإضافة لمرحلة تطور المرض و التاريخ الصحي للمريض و عمر المريض و وضعه الصحي الحالي. و ما إذا انتشرت الخلايا السرطانية للسائل الشوكي أم لا.
التغيرات الجينية أو المظاهر المعينة لخلايا الدم السرطانية، التي تم الكشف عنها من خلال التحاليل المخبرية، تحدد نوع العلاج المناسب.
فترة المراقبة:
في بعض حالات سرطان الدم المزمن التي تخلو من الأعراض، يخضع المريض لفترة مراقبة دورية. و ما إن تبدأ أعراض المرض بالظهور، يبدأ بتلقي العلاج.
فترة المراقبة تسمح للمريض بتجنب التأثير السلبية الناتجة عن أدوية علاج السرطان. خطورة هذه المرحلة أنها تقلل إمكانية التحكم بسرطان الدم، في حال تفاقم الوضع سوءاً بشكل مفاجئ.
يتضمن علاج سرطان الدم:
- العلاج الكيماوي (و هو العلاج الأساسي للسرطان).
- بعض المرضى بحاجة أيضاً للعلاج بالأشعة.
- أو العلاج البيولوجي.
- أو العلاج الموجه (المستهدف).
- بالإضافة لزرع الخلايا الجذعية. قد يتم اللجوء للمشاركة الدوائية بين الخيارات العلاجية السابقة.
- إجراء عملية جراحية لاستئصال الطحال، تُعتبر جزء من العلاج في حال تضخم الطحال.
سرطان الدم الحاد بحاجة للبدء بالعلاج مباشرةً منذ تشخيص المرض. حيث يهدف العلاج في المرحلة الأولى إلى القضاء على خلايا الدم السرطانية من الجسم. بعد ذلك و في المرحلة الثانية من العلاج، يتم التركيز على الوقاية من انتكاس المرض و عودة الخلايا السرطانية من جديد.
سرطان الدم الحاد عادةً ما يتم الشفاء منه من خلال العلاج . أما سرطان الدم المزمن غالباً لا يتم الشفاء منه عن طريق العلاج. لكن يساعد العلاج في التحكم بالمرض و ضبط الأعراض. بعض مرضى سرطان الدم المزمن بحاجة لإجراء زراعة للخلايا الجذعية، مما يوفر لهم فرصة للشفاء من المرض.
العلاج الكيماوي للقضاء على سرطان الدم:
هو عبارة عن إعطاء أدوية للمريض، تقوم بالقضاء على الخلايا التي تنقسم بسرعة هائلة مثل الخلايا السرطانية. قد يتم إعطاء العلاج الكيماوي عن طريق حبوب فموية أو من خلال قسطرة أو الحقن الوريدي في مجرى الدم مباشرةً.
عادةً يتم المشاركة الدوائية بأكثر من مادة في العلاج الكيماوي. هذه الأدوية يتم إعطائها ضمن دورة منتظمة، يتخللها فترات راحة للمريض فيما بينها.
في بعض الاحيان يتم حقن العلاج الكيماوي بشكل مباشر في السائل الدماغي الشوكي، بالإضافة لأنواع أخرى من العلاج الكيماوي. كما يمكن استخدامه لعلاج سرطان الدم المنتشر إلى الدماغ و الحبل الشوكي. أو في بعض الحالات يتم استخدامه لمنع انتشار خلايا الدم السرطانية إلى الدماغ و الحبل الشوكي.
تختلف الأعراض الجانبية الناتجة عن تناول العلاج الكيماوي و تعتمد على نوع المادة المتناولة و الجرعة.
و تتضمن التأثيرات الجانبية الناتجة عن العلاج الكيماوي ما يلي:
- تساقط الشعر.
- الغثيان و الإقياء.
- ظهور تقرحات فموية.
- فقدان الشهية للطعام.
- الإرهاق و التعب.
- النزف و سهولة ظهور الكدمات.
- زيادة حالات الالتهابات و العدوى.
لكن هنالك أدوية علاجية إضافية للمساعدة على التحكم بهذه الأعراض، و السيطرة على التأثيرات الجانبية الناتجة عن العلاج الكيماوي.
في بعض حالات علاج السرطان بالنسبة للبالغين، يؤثر العلاج الكيماوي على المبايض و الخصيتين. مما يؤدي إلى ضعف الخصوبة. أما بالنسبة لأطفال مرضى السرطان الذين يتلقون العلاج الكيماوي، غالباً لا تؤثر الأدوية على الخصوبة لديهم. لكن في حالات نادرة و بالاعتماد على الجرعات المتناولة، قد تؤثر على الخصوبة كما هو الحال لدى البالغين.
العلاج البيولوجي:
العلاج البيولوجي هو عبارة عن أي علاج يستخدم كائنات حية أو مواد ناتجة من كائنات حية أو نسخة مصنعة من هذه المواد، لعلاج السرطان. هذه الأساليب العلاجية تساعد الجهاز المناعي في تمييز الخلايا غير الطبيعية، و من ثم مهاجمتها.
و يتضمن العلاج البيولوجي ما يلي: الأجسام المضادة، لقاحات الورم أو السايتوكينات، و هي عبارة عن مواد يتم إنتاجها داخل الجسم للتحكم بالجهاز المناعي.
الأجسام المضادة وحيدة النسيلة monoclonal antibody: هي عبارة عن أجسام مضادة تستجيب ضد هدف محدد، و تستخدم في علاج أنواع كثيرة من السرطان. و من الأمثلة عنها مادة ألمتوزوماب alemtuzumab، التي تستهدف المستضد CD52 antigen. و هو عبارة عن بروتين يوجد في خلايا سرطان الدم الليمفاوي المزمن من النوع ب B-cell chronic lymphocytic leukemia (CLL) cells. مادة انترفيرون هي عبارة عن مواد كيماوية تستخدم في علاج سرطان الدم.
التأثيرات الجانبية الناتجة عن العلاج البيولوجي هي أقل شدة من التأثيرات الناتجة عن العلاج الكيماوي. و تتضمن ما يلي:
- الطفح الجلدي أو الانتفاخ و التورم مكان الحقن للتسريب الوريدي.
- بالإضافة إلى الصداع و آلام العضلات.
- و ارتفاع درجة الحرارة و الشعور بالإرهاق و التعب.
العلاج الموجه أو المستهدف:
هي عبارة عن أدوية تؤثر على وظيفة واحدة أو خاصة معينة من خصائص الخلايا السرطانية، بدلاً من عملها على قتل جميع الخلايا سريعة الانقسام دون تمييز! و بالتالي يكون ضرر الخلايا الطبيعية الناتج عن هذه الأدوية أقل من الضرر الناتج و التأثيرات السلبية للعلاج الكيماوي.
العلاج المستهدف يعمل على إيقاف نمو الخلايا المستهدفة بدلاً من قتلها. حيث يتداخل مع جزيئات محددة التي تعزز نمو أو انتشار الأمراض السرطانية. و من الأمثلة عن الأدوية المستهدفة: مادة ايماتينيب Imatinib و مادة داساتينيب dasatinib. يتم تناول هذه الأدوية عن طريق الفم أو الحقن.
و تتضمن التأثيرات الجانبية الناتجة عنها ما يلي:
- التورم و الانتفاخ.
- انتفاخ البطن.
- اكتساب مفاجئ للوزن.
- الغثيان و الإقياء.
- الإسهال.
- التشنجات العضلية.
- الطفح الجلدي.
العلاج بالأشعة:
يعتمد هذا العلاج على استخدام أشعة راديوية ذات طاقة عالية تستهدف الخلايا السرطانية.
يتم الاعتماد على العلاج بالأشعة لعلاج سرطان الدم الذي انتشر إلى الدماغ. كما يستخدم أيضاً لاستهداف الطحال او غيره من أجزاء الجسم التي تراكمت فيها خلايا الدم السرطانية.
العلاج بالأشعة يسبب تأثيرات جانبية أيضاً، لكنها غير دائمة.
و تعتمد التأثيرات الجانبية على مكان تطبيق الأشعة.
- على سبيل المثال، تطبيق العلاج بالأشعة على منطقة البطن، يسبب الغثيان و الإقياء و الإسهال.
- و في أي منطقة يتم تطبيق العلاج بالأشعة عليها، يصبح الجلد جافاً ورقيق. بالإضافة للشعور بالإعياء العام بعد الخضوع للعلاج بالأشعة.
زراعة الخلايا الجذعية:
يتم إعطاء المريض جرعات عالية من العلاج الكيماوي و (أو) العلاج بالأشعة للقضاء على خلايا الدم السرطانية بالإضافة إلى النخاع العظمي العادي. و من ثم زراعة خلايا جذعية من خلال الحقن الوريدي.
تنتقل الخلايا الجذعية إلى النخاع العظمي. و تبدأ بإنتاج خلايا دموية جديدة. الخلايا الجذعية يتم الحصول عليها من المريض أو من المتبرع.
- زراعة الخلايا الجذعية الذاتية: Autologous stem cell transplantation. تتمثل بإزالة الخلايا الجذعية للمريض و معالجتها للقضاء على خلايا الدم السرطانية. و من ثم إعادتها إلى الجسم بعد إتلاف الخلايا السرطانية و النخاع العظمي.
- زراعة الخلايا الجذعية من المتبرع: An allogeneic stem cells transplant. المتبرع قد يكون من أقرباء المريض أو ليس له علاقة به.
يتم الحصول على الخلايا الجذعية بعدة طرق. سواءً من الدم أو من النخاع العظمي أو دم الحبل السري. يتم إجراء زراعة الخلايا الجذعية في المشفى. و من الضروري بقاء المريض عدة أساييع في المشفى بعد الزراعة.
تتضمن المخاطر الناتجة عن زراعة الخلايا الجذعية ما يلي:
- زيادة خطورة التعرض للالتهابات و العدوى.
- النزف نتيجة انخفاض عدد الخلايا الدموية الطبيعية.
قد يتم استخدام الستيروئيدات القشرية و الأدوية التي تثبط الجهاز المناعي للوقاية من المضاعفات الناتجة عن عملية زراعة الخلايا الجذعية.
العلاج الداعم:
على اعتبار العديد من الخيارات العلاجية لسرطان الدم تستنفد خلايا الدم الطبيعية. و بالتالي تزداد خطورة الإصابة بالنزف و العدوى. قد يحتاج المريض إلى العلاج الداعم للوقاية من المضاعفات الناتجة عن أدوية علاج السرطان و لتخفيف التأثيرات الجانبية الناتجة عن العلاج أيضاً.
و تشمل الخيارات العلاجية الداعمة التي تستخدم للمرضى الذين يخضعون إلى أدوية علاج السرطان، ما يلي:
- اللقاحات ضد نزلات البرد و الانفلونزا و ضد الالتهاب الرئوي.
- نقل دم و صفيحات.
- الأدوية المضادة للإقياء.
- المضادات الحيوية و المضادات الفيروسية لعلاج أو الوقاية من العدوى و الالتهابات.
- عوامل نمو خلايا كريات الدم البيضاء، التي تحفز على إنتاج خلايا الدم البيضاء مثل مادة فيلغراستم filgrastim و مادة سارغراموستم sargramostim
- عوامل نمو خلايا كريات الدم الحمراء التي تحفز على إنتاج خلايا الدم الحمراء مثل مادة داربيبوتين ألفا darbepoetin alfa أو مادة إيبوتين ألفا epoetin alfa
- الحقن الوريدي بواسطة الغلوبيولين المناعي تساعد في مكافحة الالتهابات و العدوى.
المضاعفات الناتجة عن سرطان الدم:
العديد من المضاعفات تنتج عن انخفاض عدد كريات الدم الطبيعية، بالإضافة للتأثيرات الجانبية الناتجة عن أدوية علاج السرطان مثل الالتهابات المتكررة و النزيف.
- فقدان الوزن غير المبرر و فقر الدم هي المضاعفات الأكثر شيوعاً الناتجة عن علاج سرطان الدم.
- و قد تتضمن المضاعفات انتكاس صحة المريض و الإصابة بالمرض مجدداً بعد الشفاء و إنهاء العلاج.
- فقر الدم الانحلالي (و هو فقر الدم ذاتي المناعة)، حيث يقوم الجسم بمهاجمة خلايا كريات الدم الحمراء بشكل خاطئ على أنها جسم غريب.
- متلازمة تحلل الورم: Tumor lysis syndrome و تتمثل بموت سريع للخلايا السرطانية خلال فترة العلاج الحاد. تحدث غالباً في كافة أنواع علاج السرطان. التحطم السريع في خلايا الدم السرطانية، يؤدي إلى تحرير كميات كبيرة من الفوسفات. مما يسبب خلل في العمليات الأيضية (الاستقلاب) و يؤدي إلى الفشل الكلوي.
هذه المضاعفات تختلف من حالة لأخرى، و تتفاوت في شدتها، تبعاً لعمر المريض و وضعه الصحي و قوة الدواء. نسبة الوفيات في حالات سرطان الدم بالنسبة للبالغين المسنين هي أكبر من نسبتها بالنسبة للبالغين اليافعين و الأطفال.
في العديد من الحالات يتم التحكم بالمرض، و الشفاء من سرطان الدم مع المواظبة على العلاجات الحديثة المتوفرة اليوم. خاصةً بالنسبة للأطفال من مرضى السرطان، نسبة النجاة من المرض هي عالية لديهم.
المراجع:
https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/leukemia/symptoms-causes/syc-20374373
https://www.webmd.com/cancer/lymphoma/understanding-leukemia-basics#1
https://www.medicinenet.com/leukemia/article.htm#leukemia_facts
https://www.medicalnewstoday.com/articles/142595.php