القناعة كنزٌ لا يفنى..
القناعة تستحق أن نبحث عنها و نرسّخها. فالحياة قصيرة، و إذا ما فقدنا إحساس القناعة و الرضا من حياتنا. تفقد الحياة قيمتها، و تصبح هشة سهلة الكسر!
كنا قد تحدثنا سابقاً عن أفضل الطرق الطبيعية للشعور بالسعادة، و زيادة مستويات هرمون السعادة السيروتونين.
لكن السعادة قد تكون أمر لحظي أحياناً. أي نشعر بالسعادة لسبب ما، موقفٍ ما، أو فترة ما. ثم ينقضي هذا الشعور الجميل. و قد يبقى شعورنا بعدم الرضا لواقعنا أو نمط حياتنا!
فالسعادة شعور مؤقت. أما القناعة فهي مبدأ حياة دائم و مستمر. لذلك من الضروري التحلّي بالقناعة، حتى ننعم بحياة هادئة ممتعة ومطمئنة.
الظروف التي تجعل الشخص سعيداً، و الظروف التي تجعل الشخص قنوعاً بحياته، هي مختلفة و ليست ذاتها.
فنجان قهوة في الصباح، قد يُشعرنا بالسعادة. لكن بعد مرور ساعة أخرى، يزول شعور السعادة الذي اكتسبناه من فنجان القهوة.
من ناحية أخرى، فإن القناعة، طويلة الأمد.
إذا كان مستوى توقعاتي و مستوى قناعتي بظروفي، عالي جداً. إذاً فإن شعوري بالرضا عن حياتي عموماً، سيكون أكثر صعوبة!
سأشعر بالسعادة أحياناً، لكنني لن أشعر بالرضا!
الشعور بالرضا هو ما نسعى له جميعاً في نهاية المطاف. و هو السبب في أن نفعل أي شيء تقريباً.
لنتعرف أولاً على أهم جوانب الحياة المختلفة. و كيف يمكننا تطويرها بشكل أفضل.
معرفة المجالات التي تحتاج للاهتمام:
حتى نُحسّن مستوى حياتنا، يجب أن نعير انتباهاً لعدة جوانب في حياتنا، التي من شأنها أن تساهم في تحسين قناعتنا في الحياة:
- العائلة
- الأصدقاء
- الصحة
- الرشاقة
- المهنة أو العمل
- الحب و الزواج و العلاقة الرومانسية
- المشاعر الروحانية و الدينية
- الهوايات و الرفاهية
- الحالة المادية
خذ قلم و ورقة و اكتب جملة عن كل جانب من الجوانب السابقة. و ما هو درجة قناعتك و رضاك عنها.
ثم امنح نفسك درجة، من خلال استخدام مقياس من 1 إلى 10. على أن يمثل رقم 10 أعلى درجة ترضاها عن وضعك، بينما يمثل رقم 1 أسوأ و أقل درجة.
و بذلك تعرف تماماً الجوانب التي تحتاج أن تركّز عليها جهودك، و تصب انتباهك، حتى تحسّن وضعك، و تصل لدرجة الرضا التي تبحث عنها.
استخدم قوة التصور:
استخدام قوة المحاكاة، تتيح لك التركيز بوضوح على النتيجة المرجوّة.
- محاكاة النتائج هي تمثيل قائم على الحواس، للنتيجة النهائية التي تتوقعها.
- و تتضمن محاكاة الخطوات التي تحصل على النتيجة النهائية.
أظهرت النتائج أنه للحصول على أكبر فائدة من المحاكاة، يُفضّل اسخدام النوعين معاً، (محاكاة النتائج و الخطوات معاً).
خذ ورقة لكل جانب من جوانب حياتك التي ترغب بتغييرها. ارسم جدول مكون من ثلاثة أعمدة.
العمود الأول:
صف الوضع الحالي للجانب الذي تريد تغييره، و كيف يؤثر على حياتك و قناعتك بحياتك.
على سبيل المثال،
المستوى الحالي من اللياقة البدنية ينقص من قدرتي على أن أكون قوياً كما أريد. هذا الأمر هام للغاية بالنسبة لوضعي كمريض مناعة ذاتية، و يسبب لي نوبات من التعب الشديد.
العمود الثالث:
صف مالذي سيحدث لهذا الجانب، إذا رفعت مستوى قدراتك و حققت 8-10 درجات.
نعود إلى مثالنا السابق:
سأحظى بمزيد من القوة و تعزيز الثقة بالنفس و في اللياقة البدنية.
العمود الثاني:
حاول سدّ الثغرات من خلال تحديد العمل الذي تحتاجه، لنقل هذا الجانب من المستوى الأول الضعيف إلى المستوى الثالث من سلم الدرجات.
كن محدداً و مفصلاً. اذكر كافة الخطوات التي تحتاج لاتخاذها، لتحقيق النتيجة المطلوبة في الجدول الثالث.
نعود إلى مثالنا السابق:
سوف أعمل على تقوية لياقتي البدنية من خلال المشي لمدة نصف ساعة ثلاثة مرات في الأسبوع على الأقل.
الآن، حدّد السلوكيات ذات الأولوية الكبرى:
- بعد أن عرفت مالذي تريده في كل جانب من جوانب حياتك. و ماهي الخطوات الواجب اتخاذها. استخدم قوة المحاكاة لتشجع نفسك و تعزز شعورك بالحماس.
- استشعر مالذي ستكون عليه حياتك، عندما تحصل على النتيجة المرجوّة (التي لخّصتها بنفسك في العمود الثالث من الجدول).
- دع نفسك تستشعر الرضا العميق عن إنجازك.
- تخيّل نفسك و أنت تؤدي كل خطوة خصصتها من العمود 2. و استشعر أحاسيس رضا عن الإنجاز الذي حققته.
كلما أسهبت في سرد التفاصيل في المحاكاة التي تجريها. كلما بدا الأمر حقيقي بشكل أكبر. و سيتحسن أداءك. حيث يبدأ الدماغ في تطوير مسارات عصبية جديدة، تنتج عن الصورة المتكررة في مخيلتك، التي من شأنها أن تشجعك و تعزز الدوافع للوصول نحو هدفك.
ركّز على الإيجابية:
الإيجابية هي طريق آخر للقناعة.
التخبط في المشاعر السلبية، قد يؤدي إلى تفاقم التوتر و القلق و الحزن و الشعور بالذنب أو الخجل أو الغضب، و ما إلى ذلك من المشاعر السلبية.
كلما كان شعورك السلبي أكبر، كلما كانت قناعتك أقل.
لكن مع الكثير من السلبية في البيئة المحيطة بنا اليوم. فإن الحفاظ على الإيجابية هو أمر غير سهل.
فمن السهل الوقوع في سلسلة من المشاكل التي لا تنتهي أبداً. و التي يمكن أن تؤدي إلى الغرق في أفكار و رسائل سلبية لا نهاية لها.
كلما نزلت أكثر إلى قاع الأفكار السلبية، كلما ازدادت درجة عدم القناعة و عدم الاكتفاء. و كلما أصبح عدم الرضا لديك أعمق!
طريقة واحدة بإمكانها تخليصنا من هذا الغرق، ألا و هي الانتباه لأفكارنا و مزاجنا و تقلباته في بداياته.
- الأفكار الإيحابية = مزاج إيجابي
- الأفكار السلبية = مزاج سلبي
راقب أفكارك و تقلبات مزاجك و ستلاحظ الفرق!
من الضروري أن تستشعر أبسط النعم التي تعيشها، حتى تعزز شعور الإيجابية و القناعة و الرضا لديك.
أوجد قيمة لحياتك:
جميعنا نرغب أن نستشعر قيمة لوجودنا. أنّ حياتنا لها أهمية سواءً في قلوب من حولنا من عائلة و أهل و أصدقاء أو حتى المجتمع.
كلٌّ منا يمتلك نقاط قوة و نقاط ضعف، بحاجة لفهمها و تطويرها و تنميتها.
لا تستصغر أهمية نفسك، مهما كانت مكانتك و دورك في الحياة.
وعندما تعمل على تطوير نفسك، و نشر تأثيرك فيمن حولك، ستشعر بالرضا و الامتنان و تعزيز الثقة بالنفس.
لن يتبقّى لديك وقت للمقارنات و ملاحقة توافه الأمور. بل ستنشغل في ترميم نفسك و الدائرة الصغرى المحيطة بك.
كن فخوراً بنفسك و بإنجازاتك مهما صغرت. ساعد من حولك، ستشعر بالسعادة و الرضا و القناعة.
كن ممتناً:
هنالك ارتباط وثيق تآزري بين الامتنان و بين الشعور بالرضا و القناعة.
كل صباح و قبل النهوض من الفراش:
راجع سريعاً في مخيلتك كل الأمور التي قد تخطر على بالك، و تشعرك بالامتنان.
- مثل نعمة الحصول على ليلة هادئة و نوم مستقر بدون ألم.
- نعمة الحصول على يوم آخر جديد، و شمس مشرقة تطل من نافذتك، تبشرك بفرصة جديدة للحياة والعمل.
- نعمة القدرة على التنفس دون أجهزة طبية!
قبل تناول الطعام:
- استشعر امتنانك لوجود نعمة الطعام الذي تتناوله في بيتك بشكل طبيعي دون الحاجة لأنبوب التغذية.
- استمتع بقدرتك على تذوّق الطعام و وجود حاسة التذوق لديك. التي اختبرنا زوالها ببساطة عند الإصابة بالانفلونزا أو فيروس كورونا.
قبل خلودك إلى النوم:
- فكّر في كل الأمور البسيطة التي كنت ممتناً لوجودها في يومك.
صدّقني لو فكرت بهذه الطريقة، فلن تحصيها مهما كان ظرفك.
لكن للأسف اعتدنا أن نأخذ هذه النعم كأمر مضمون بديهي في حياتنا. و نغفل عن أهميته و قيمته. مع العلم أن غيرنا قد يكون في أمسّ الحاجة له!
عندما تشعر بالتوتر أو أي أفكار سلبية قد تجول في خاطرك. توقف.. و عدّد 5 أشياء تُشعرك بالامتنان في حياتك.
عندما يتذمّر أولادك أحياناً لأي أمر، مهما كان بسيطاً. حاول تطبيق هذه النصيحة معهم. و ما هي إلا دقائق و ستتلاشى المشاعر السلبية لديهم بإذن الله.
قل لهم، تعالوا نعدّد أكبر قدر ممكن من النعم الموجودة لدينا، التي قد تخطر على بالكم هذه اللحظة فقط.
سيبدأ الأول، و يُكمل الآخر، و تابعوا أنتم الأبوين بتعداد النعم، إلى أن تزول الطاقة السلبية من المكان. و يتم استبدالها بمشاعر الرضا و القبول و الامتنان.
يمكنك تجربتها مع أي شخص كان، ليس فقط الأطفال. ابدأ بها مع نفسك، و تابع مع أي شخص آخر يهمك أمره.
شكراً لمتابعتكم إخوتي الكرام و دمتم بخير و صحة و عافية و قناعة و رضا 🙂
الحمد لله على كافة النعم التي نعلمها و لا نعلمها. و نسأل الله تعالى أن يرزقنا و إياكم القناعة و الرضا، و أن نستشعر النعم بوجودها لا بزوالها.
المراجع:
https://thriveglobal.com/stories/the-process-that-leads-to-true-fulfillment
https://medium.datadriveninvestor.com/5-ways-for-greater-life-satisfaction-bc385f7f9ccb
الصورة المرفقة:
https://www.flickr.com/photos/lazydoll/2630611450/in/photolist-HbNXz-51sz8Q-3sQFMm